كلمة سعادة الدكتور هشام العلوي، سفير جمهورية العراق في مملكة هولندا، التي القيت اليوم في احتفالية السفارة بمناسبة الذكرى السنوية الثالثة ليوم النصر الكبير على تنظيم داعش الإرهابي

بسم الله الرحمن الرحيم
(وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَىٰ لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ، وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) سورة آل عمران: الآية 126 … صدق الله العلي العظيم

نجتمع اليوم لنشارك شعبنا العراقي الأبي احتفالاته بيوم النصر الكبير على تنظيم داعش الإرهابي ومرتزقته، وتحرير كل المدن والقرى التي سيطر عليها وإنهاء “دولة الخرافة”، في معركة مشرفة وملحمة بطولية خاضها العراقيون تلبية لنداء الوطن وإستجابة لفتوى سماحة آية الله العظمى السيد علي السيستاني، هذه المعركة الكبرى التي أبلى شباب وكهول وشيوخ العراق فيها بلاءً حسناً، وقدّموا طوال ما يزيد على ثلاثة أعوام عشرات الآلاف من الشهداء واضعاف ذلك من الجرحى والمصابين، وسطّروا صفحات مشرقة من تاريخ العراق بأحرف من عزّ وإباء، ورسموا خلالها أجمل صور البطولة والفداء، وأظهروا أروع ما يحملون من القيم الإنسانية النبيلة، دفاعاً عن ارضهم وكرامتهم ومقدساتهم.

وفي هذه المناسبة العزيزة على قلوب العراقيين جميعاً نقف بإجلال واكبار امام تضحيات شهداءنا الابرار كافة الذين سقوا تراب الوطن بدمائهم الزكية وصنعوا هذا النصر المبين، ونستذكر بفخر وتقدير عال دور قادة النصر الابطال، ونحيي جهود ابناءنا واخواننا في القوات المسلحة بمختلف صنوفها وقوات الأمن الداخلي والحشد الشعبي والعشائري والبيشمركة، الذين تدافعوا صفاً واحداً الى خنادق الشرف وخطوط الجبهات دفاعا عن العراق وشعبه ومقدساته. كما نتوجّه بأسمى آيات الاحترام والتقدير الى الأحبة من أسرهم وعوائلهم، والى الأعزة الجرحى والمعاقين، والى المقاتلين الأبطال الذين لا يزال الكثير منهم يواصلون الذود عن الحمى ويواجهون بقايا الارهابيين بكل بسالة، ويتعقبون خلاياهم المستترة في مختلف المناطق من غير كلل أو ملل، فلهم جميعاً منا بالغ الشكر وخالص الدعاء. كما نتقدم بالشكر الجزيل والعرفان الكبير لكل من وقف الى جانب العراقيين ودعم مجهودهم الحربي، وهب لنجدتهم في التصدي لهذه الشرذمة من شذاذ الآفاق من التكفيريين الذين أوغلو بدماء الأبرياء وسبي الحرائر.

​ونرى من المناسب إستثمار هذه الفرصة لتأكيد إلتزام الحكومة العراقية ببناء الجيش وسائر تشكيلات القوات المسلحة العراقية وفق أسس مهنية رصينة ليكون ولاؤها للوطن وتنهض بالدفاع عنه ضد أي عدوان خارجي، وتحمي نظامه السياسي الديمقراطي الجديد المنبعث عن إرادة الشعب وفق الأطر الدستورية والقانونية. كما نؤكد ان العمل على تحسين الظروف المعيشية في المناطق المحررة واعادة اعمارها وتمكين أهلها النازحين من العودة اليها بعز وكرامة هي من أولويات المنهاج الحكومي.

أيّتها الأخوات وأيّها الاخوة:
إن تجربة السنوات الخمس الماضية وبالرغم من مرارتها كانت مليئة بالدروس والعبر وجديرة بالاستفادة منها في حفظ الامن وعدم التهاون مع مهدداته الداخلية أو الخارجية، وتفكيك الحواضن الارهابية، وتفعيل الجهد الاستخباري والتنسيق الأمني بين الأجهزة الأمنية وتشكيلات القوات المسلحة بصنوفها المختلفة، والمراقبة اليقظة للتمييز بين العدو والصديق، واهمية تعزيز وحدة الصف الوطني وتحصين الجبهة الداخلية في مواجهة التحديات، والعمل المشترك من اجل تحقيق ما يتطلع اليه شعبنا بجميع مكوناته، والتعاون بين الفرقاء السياسيين بغية السيطرة على الازمات المتفاقمة، ومعالجة البطالة وتوفير فرص الحياة الكريمة لشبابنا وضمان مستقبلهم، والمضي قدما في تهيئة كافة مقدمات انجاز الانتخابات المبكرة في أجواء تبعث على الثقة والاطمئنان بنزاهتها وتعبر عن الاختيار الحر للمواطنين.

​إنّ أمامنا اليوم معركة مصيرية أخرى، وهي (معركة الإصلاح والبناء) من اجل تجاوز آثار عدة عقود من السياسات الخاطئة والحروب العبثية والحصار الاقتصادي، والفساد وضعف أداء مؤسسات البلد، وقد سبق أن أكّدت المرجعية الدينية في خطبة النصر قبل ثلاثة أعوام (ان هذه المعركة التي تأخرت طويلا، لا تقلّ ضراوة عن معركة الارهاب إن لم تكن أشد وأقسى، والعراقيون الشرفاء الذين استبسلوا في معركة الارهاب قادرون -بعون الله تعالى- على خوض غمار هذه المعركة والانتصار فيها أيضاً إن أحسنوا ادارتها)، ومن المؤكّد أن التعاون ووحدة الكلمة، والمشاركة الفاعلة من قبل الجميع، وإتّباع الأساليب السلمية هي من الشروط الأساسية للانتصار في هذه المعركة المهمة والمصيرية.

وأخيراً نود التذكير ان النصر على عصابات داعش منجز ومكتسب يجب أن نتباهى به أمام بقية شعوب الأرض التي لازال الكثير منها يعاني حتى هذه اللحظة من ويلات الفكر الداعشي الإرهابي المقيت، مؤكدين الحاجة الى البناء على ما تحقق وجعله بداية لتحقيق إنتصارات أخرى تتعدد وتتنوع وتزداد يوما بعد أخر، ولا ينبغي الركون الى الفتور والبرود لان العدو لم يبرد بعد ومازال يعيش حالة من التخبط والفوضى، وربما يستعد لجولات جديدة من المنازلة، فالفكر الإرهابي مازال حياً ويحاول أن يستغل كل فرصة لتنقض خلاياه النائمة على الآمنين من أبناء شعبنا.

تحية وفاء للشهداء والجرحى الذين صنعوا الانتصار ولعوائلهم الكريمة، وللمقاتلين الابطال من ابناء القوات المسلحة والأجهزة الأمنية الذين مازالوا يتصدون لبقايا “داعش” ويدافعون عن وطنهم وشعبهم ويقدمون التضحيات الغالية في كل الساحات، ولكل الذين ساندوا وصبروا وصابروا وثبتوا حتى تحقق النصر الكبير، فلهم منا ومن شعبنا كل الشكر والاحترام والتقدير.
حفظ الله قواتنا الأمنية ومرجعيتنا الدينية العليا والعزة للعراق والعراقيين.

لاهاي في ١٠ كانون الاول ٢٠٢٠
٢٤ ربيع الاخر ١٤٤٢