نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجيَّة يلقي كلمة العراق في المؤتمر السابع لدعم مستقبل سوريا والمنطقة في بروكسل


أصحاب المعالي السادة وزراء الخارجيَّة المحترمون..
سيادة جوسيب بوريل/ الممثل السامي للإتحاد الأوروبيّ للشُؤُون الخارجيَّة والسياسيَّة والأمنيَّة/ نائب رئيس المفوضية الأوروبيَّة المحترم..
الحضور الكرام …
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
فإنه لمن دواعي السرور حضور وفد جُمْهُوريَّة العراق للمُشارَكة في مؤتمر بروكسل السابع حول ” دعم مستقبل سوريا والمنطقة ” الذي تحتضنه العاصمة البلجيكيَّة.. وإسمحوا لي أنَّ أقدم الشكر للإتحاد الأوروبيّ على حسن التنظيّم لمؤتمرنا هذا وحفاوة الإستقبال.. واضعين أمام أعيننا كل الجُهُود التي تبذلها دولنا للوصول إلى الحلول التي تكفل وضع حد للأزمة السوريَّة التي دخلت عامها الثالث عشر وإنهاء المعاناة الإنسانيَّة التي يمر بها الشعب السوريّ.
لا تزال تداعيات الأزمات الإنسانيَّة الثقيلة تلقي بآثارها الوخيمة على الشعب السوريّ الذي يمر بفترات وأحوال معيشيَّة صعبة جراء الأزمة المندلعة بالبلاد التي لم تنطفيء نيرانها منذ أكثر من عقد من الزمان، والتي شهد خلالها السوريون ويلات الحرب ونتائجها المدمرة، وواجه مآسي التهجير وصعوبات الغربة، وتحمل ضغط العقوبات وعواقب الحصار، وعانى من النقص الشديد في الخدمات الأساسيَّة كالغذاء والمياه والكهرباء والوقود والصحة، وذاق مرارة العيش في مخيمات اللاجئين وظروفها القاسيَّة. هذه المعاناة الآخذة بالإستمرار رغم كل الجُهُود التي بذلها ويبذلها المجتمع الدوليّ – دولاً ومنظمات ومؤسسات – للتخفيف من وطأتها وفضاعتها التي تهدد الحياة اليوميَّة للسوريين.
لقد أكَّدت جميع مواقف العراق المعلنة من أنَّ تسويَّة الأزمة السوريَّة وإنهائها، لن يتحقق إلا من خلال الحلول السياسيَّة السلميَّة التي تفضي إلى وقف تداعياتها والحد من آثارها السلبيَّة على سوريا ودول المنطقة والعالم، وبالشكل الذي يتماشى مع متطلبات قرار مجلس الأمن 2254 ويكفل للشعب السوريّ الحياة الكريمة والآمنة، ويمكنه من مُواجهة الآثار التراكميَّة للمحن التي تعرض لها والمرتبطة بتأمين الكثير من شُؤُون حياته وغذائه وسكنه وأمنه، وتجاوز مصاعب واحدة من أكثر الأزمات تعقيداً على النطاق الإنسانيّ.
مما لاشك فيه، أنَّ سوريا قد عانت من أضرار وخسائر بشريَّة وماديَّة جسيمة بسبب الزلزال المدمر الذي ضربها في شهر شباط الماضي وما تبعه من هزات إرتداديَّة، وفاقمت هذه الأضرار من معاناة مواطنيها – الموجودة بالأساس – وتركتهم في حاجة ماسة إلى المساعدات الإنسانيَّة لتغطيَّة إحتياجاتهم اليوميَّة الضروريَّة والملحة من مأوى وغذاء وماء ودواء. إذ جاءت كارثة الزلزال التي تضرر منها ملايين السوريين لتزيد المعاناة الإنسانيَّة أكثر سوء. ولذلك، يؤيد العراق ما تم إتخاذه من إجراءات لتخفيف القيود والعقوبات المفروضة على سوريا والرفع الجزئيّ
عن مواد الإغاثة لمُواجهة التداعيات المدمرة للزلزال.. ويشدد العراق على أهمّيَّة تسهيل دخول الإحتياجات عبر الحدود ونقاط العبور المتاحة إلى المستفيدين منها ونقل وإرسال مواد الإغاثة لنجدة المتضرين والمحتاجين في جميع أنحاء سوريا، الذين لا يزالون يعانون من تبعات وآثار الزلزال.
كما يجدد العراق دعواته السابقة إلى المجتمع الدوليّ إلى التعامل الجدي مع التهديدات التي يمثلها مُخيَّم الهول في مُحافظة الحسكة في سوريا الذي يضم آلاف الأشخاص من جنسيات مُختلِفة، وأغلبهم من النساء والأطفال من أسر وعوائل عناصر تنظيم داعش الإرهابيّ، ويناشد الدول المعنيَّة بالسعيّ الحثيث لتحمل مسؤولياتها وإتخاذ الخطوات اللازمة لترحيل مواطنيها إلى بلدانهم الأصليَّة وضمان إعادة تأهيلهم وإندماجهم ضمن المجتمع وحسب القوانين المرعيَّة في كل بلد، وبالشكل الذي يمكن أنَّ يساهم في إيجاد حل نهائيّ لحسم موضوع المُخيّم والحد من مخاطره المُستقبليَّة على المنطقة والعالم.
وبالعودة إلى التطورات التي شهدتها العلاقات العربيَّة السوريَّة، وآخرها قرار جامعة الدول العربيَّة المتخذ بتأريخ 2023/5/7 بعودة سوريا إلى شغل مقعدها في الجامعة وحضور إجتماعاتها لا سيما مشاركتها بإجتماع القمة العربيَّة المنعقد في المملكة العربيَّة السعوديَّة بتأريخ

2023/5/19، فإن جُمْهُوريَّة العراق كانت من أوائل الدول التي دعت إلى ذلك إنطلاقاً من إيمانها بأن تلك العودة تشكل جزءاً من سياسة الحل للأزمة السوريَّة، وبداية المسار نحو إيجاد التسويَّة النهائيَّة لها، وضرورة إغتنام كل السُبُل لوقف تداعياتها وآثارها الوخيمة، وهو ما يستدعي جلوس جميع الأطراف على طاولة الحوار والتفاوض وإظهار العزم والجدية والإرادة للتوصل إلى الحل السياسيّ الذي يعتبر السبيل الوحيد الذي سيؤدي إلى إنهاء الأزمة وإعادة الأمن والإستقرار إلى الأراضيّ السوريَّة ووقف معاناة مواطنيها وتهيئة السُبُل لإعادة إعمار المناطق التي تدمرت بفعل الصراعات وتوفير المتطلبات اللازمة لعودة آمنة وطوعيَّة وكريمة للنازحين داخل سوريا والمهجرين واللاجئين خارجها.
وفي ضوء ما تعرض إليه المواطنون السوريون من محن إنسانيَّة، فإن العراق قد فتح أبوابه لإستقبال اللاجئين الذي فروا من آثار الصراعات. إذ يستضيف على أراضيه في كوردستان العراق قرابة (260) الف مواطن سوريّ، عاملهم على قدم المساواة بالمواطنين العراقيين وسمح لهم بمزاولة نشاط العمل في الأسواق، كما وفر لما يتجاوز (35%) منهم ممن يقطنون بمخيمات اللاجئين المتطلبات الإساسيَّة لسُبُل العيش الكريم والمساعدات المطلوبة لتأمين إحتياجاتهم من مواد غذائيَّة وغير غذائيَّة وطبابة وتعليَّم، وذلك بالتنسيق والتعاون مع مفوضيَّة الأمم المتحدة الساميَّة لشُؤُون اللاجئين وبرنامج الغذاء العالميّ، وبالشكل الذي يضمن لهم عودة كريمة وآمنة وطوعيَّة إلى بلادهم حال إستتباب الإستقرار والأمن في مناطق سكناهم. ويؤكد العراق – ضمن هذا المجال – أهمّيَّة الدعم الدوليّ لتوفير التمويل اللازم لمساعدة الدول التي تستضيف اللاجئين السوريين على أراضيها ومشاركتها في تحمل أعباء توفير الإحتياجات الأساسيَّة لهؤلاء اللاجئين.
وفي الختام، يتطلع وفد جُمْهُوريَّة العراق إلى ملتقانا هذا للخروج بالنتائج التي تعزز من جُهُودنا الوطنيَّة والإقليميَّة والدوليَّة لوقف وإنهاء المعاناة الإنسانيَّة للشعب السوريّ ووضع حد نهائيّ وشامل للأزمة السوريَّة بما يبعث في نفوس السوريين الأمل بمستقبل أفضل وتجاوز جميع الآلام والمآسي التي كابدوها طيلة سنوات اندلاع الصراع.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

You may also like...