كلمة العراق التي ألقاها الدكتور إبراهيم الأشيقر الجعفريّ وزير الخارجيَّة العراقـيَّة في جلسة مجلس الأمن بشأن اعتماد قرار جمع الأدلة الجنائيَّة عن جرائم عصابات داعش الإرهابيَّة في العراق في نيويورك

بسم الله الرحمن الرحيم

السيِّد الرئيس..

      اسمحوا لي بدايةً أن أتقدَّم بالتهنئة لجمهوريَّة أثيوبيا لتوليها رئاسة مجلس الأمن لهذا الشهر، والإعراب عن الشكر لما تبذله من جُهُود في تنظيم عمله، كما أخصّ بالشكر جمهوريَّة مصر العربيَّة لجُهُودها المبذولة في رئاستها للمجلس في الشهر المنصرم.

       سبق أن اجتمعنا في مقرِّ الأمم المتحدة في السنة الماضية في 19/أيلول/ 2016 في حدث رفيع المُستوى ضمَّ كلاً من العراق، والمملكة المتحدة، وبلجيكا، وعبَّرنا آنذاك عن وحدة المُجتمَع الدوليِّ في إدانة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي ترتكبها عصابات داعش الإرهابيَّة في العراق، ومحاكمة مُرتكِبيها.

      وأنَّ هذا القرار التاريخيَّ هو ثمرة دراسة، ومُشارَكة فعَّالة تمَّت بتعاون بنّاء، وفهم واضح بين العراق والمملكة المتحدة لوضع أسس قانونيَّة لآليَّة دوليَّة تحترم سيادة العراق، واختصاصه القانونيَّ، والقضائيَّ في مجال جمع الأدلة لمحاكمة الإرهابيِّين عن جرائمهم الكبيرة، والتي ارتكبوها في العراق وغيره من دول العالم في المحاكم الدوليَّة.

تعرفون -أيُّها السيِّدات والسادة- أنَّ القضاء العراقيَّ يعود تأريخه إلى أوَّل مسلة قانونيَّة في العالم عام 1792 إلى 1742 إذ كتبها حمورابي، وكانت أوَّل لائحة قانونيَّة في الجزاء صدرت في العالم.

      ويُثمِّن العراق جُهُود المملكة المتحدة في عملها مع العراق سواء في بغداد، أم نيويورك طيلة الشُهُور الماضية؛ من أجل صياغة قرار يُلبِّي مشاغل العراق، ونخصّ بالذكر المندوب الدائم، وفريقه في البعثة البريطانيَّة في نيويورك، وفريق السفارة البريطانيَّة في بغداد الذين عملوا بلا كللٍ، وبمهنيَّة عالية مع المندوب الدائم، وفريقه في بعثتنا لأجل التوصُّل إلى نصٍّ توافقيٍّ، ومُتوازن.

      ويُقدِّر العراق المساهمات القيِّمة التي أبدتها الدول الأعضاء في مجلسكم المُوقـَّر في المُفاوَضات على مُسوَّدة القرار التي ساهمت -بلا شك- في تحسين لغة القرار شكلاً ومضموناً، ونشكر لها تفهُّمها، واستجابتها للطلب العراقيِّ بالمُساعَدة الدوليَّة في مجال جمع الأدلة عن جرائم داعش.

السيِّد الرئيس..

    تعلمون حجم التضحيات، والخسائر البشريَّة، والدمار الناتج من الحرب على الإرهاب في العراق، وهذا الدمار الهائل لا يقتصر على العراق فحسب، فأينما حلّت داعش حلَّ الدمار، والخراب، ولا يجوز أن نـُفرِّط بما بذلناه معاً في هذه الحرب، ولا يُمكِن التفريط بالتضحيات الغالية التي بذلها شعبنا .

إنَّ مرارة التجربة التي خضناها في العراق، والعذابات، والفضائع التي تعرَّض لها المدنـيُّون وبالأخصِّ الأقليَّات كالمسيحيِّين، والإيزيديِّين، والتركمان، والشبك، واضطهاد النساء، والأطفال في المناطق التي كانت خاضعة لداعش، هذه التجربة يجب أن ينظر المُجتمَع الدوليُّ إلى خُطورتها على الإنسانيَّة، ويجب أن نعمل كلَّ ما بوسعنا من أجل أن لا تعود مرَّة أخرى، ولا تتكرَّر في أيِّ مكان بالعالم .

    إنَّ قرار تجريم داعش هو انتصار للعدالة الإنسانيَّة، وللضحايا، وهو تعبير عن رفض عمليّ لوحشيَّة داعش، وإدانة فعليَّة لسُلُوكها المُتخلـِّف، وإنَّ مُلاحَقة مُجرمي داعش، وعدم إفلاتهم من العدالة سيُعطي رسائل رادعة لهؤلاء المُجرمِين ومُطمئِنة لشُعُوبنا جميعاً.

     إنَّنا حين دعونا لاتخاذ قرار في مجلس الأمن الدوليِّ بتجريم داعش نُدرك أنّه سيُشكّل عامل ردع بالغ الأثر، ويُوجِّه إنذاراً شديداً لمُموِّلي هذه العصابة، وداعميها فكريّاً، وماليّاً، وإعلاميّاً.

     السيِّد الرئيس..

   بُنيَ القرار على دعائم أساسية تدور في إطار واضح هو احترام كامل لسيادة العراق، واختصاصه القانونيّ، والقضائيّ في مجال جمع الأدلة الجنائيَّة عن جرائم داعش عبر الآليَّة الدوليَّة المُتمثِّلة بفريق تحقيقيّ مُشترَك يضمُّ قضاة تحقيق عراقـيِّين وخبراء دوليِّين، وهذه الدعائم تتمثل بما يلي:

  1.  تقديم المُساعَدة الدوليَّة للعراق في مجال جمع الأدلة وفق معايير دوليَّة، وذات قيمة قانونيَّة قويَّة عن جرائم دوليَّة كبيرة لا ينصُّ النظام القانونيّ العقابيّ العراقيّ عليها.
  2. نقل الخبرات الدوليَّة في فريق التحقيق المُشترَك إلى الخبراء، والقضاة العراقيِّين الذين هم أعلم بطبيعة النظام القانونيِّ العراقيِّ الواجب تطبيقه في مثل تلك التحقيقات.
  3. رغبة العراق في مُساعَدة الدول الأخرى التي قد يكون أحد رعاياها من أفراد إرهابيِّي داعش عِبْرَ مُشارَكة تلك الأدلة معها وفق الاتفاق، والإجراءات التي ستنصّ عليها شُرُوط الاختصاص بالاتفاق بين العراق والأمانة العامَّة للأمم المتحدة من أجل ضمان مُساءَلة عالميَّة لعصابات داعش الإرهابيَّة، وبما يُحقـِّق ركائز الحملة العالميَّة لجلب داعش إلى العدالة.
  4. إنَّ نجاح تلك الحملة العالميَّة في جلب قادة عصابات داعش إلى العدالة هي مَهمَّة تستلزم تعاوناً جدّيّاً من قِبَل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة عِبْرَ مُشارَكة المعلومات التي بحوزتها عن مُجرِمي داعش، ووفق آليَّة مُساعَدة قانونيَّة بين الفريق وتلك الدولة، وهو ما حَرَصَ العراق على النصِّ عليه في القرار؛ لإظهار احترام سيادة الدول وفق ميثاق الأمم المتحدة.
  5. إنَّنا ندعو دول الأعضاء، والمنظمات الدوليَّة العالميَّة، والإقليميَّة إلى مُساعَدة الفريق في عمله، وتقديم أنواع المُساعَدة كافة التي تقدر عليها؛ لتعزيز النظام القانونيِّ، والقضائيِّ العراقيِّ، وبما يُساهِم في الارتقاء بسيادة القانون، وعدم الإفلات من العقاب.
  6. تأكيد العراق في مُفاوَضات القرار على أنَّ شُرُوط الاختصاص التي تُشكِّل الإطار الخاصَّ لعمل الفريق في العراق يجب أن تكون مقبولة لدى الحكومة العراقـيَّة؛ لأنَّ ذلك القبول التامَّ هو مظهر لاحترام السيادة الوطنيَّة، واختصاص القضاء العراقيِّ في الجرائم المُرتكَبة في العراق ضدَّ مُواطِنين عراقـيِّين، وسنعمل مع الأمانة العامّة للأمم المتحدة لضمان أن تكون تلك الشُرُوط مُناسِبة لإنجاز الفريق لعمله بشكل فعّال وفق القرار.

    ستعمل الحكومة العراقـيَّة مع المُستشار الخاصِّ للأمين العامِّ الذي سيترأس الفريق التحقيقيَّ بشكل بنـَّاء، وبما يُساهِم في تيسير عمله في العراق، ووفق الولاية المُناطة به، وسنـُقدِّم له المُساعَدة المطلوبة التي يحتاجها لنجاحه في تنفيذ المَهمَّة المُوكَلة إليه، وبهذا الصدد تطلب حكومة العراق من المُجتمَع الدوليِّ إبداء أكبر قدر مُمكِن من المساعدة له؛ لإعادة إدماج، وتأهيل الناجين من ويلات الإرهاب، والعنف المُفرِط ثانية بالمُجتمَع عبر برامج تأهيل، وتدريب ليتسنـَّى لهم التخلـُّص من آثار المُعاناة النفسيَّة، والجسديَّة التي ألمَّت بهم.

      وأخيراً، أودّ أن أقول لكم: إنَّ الانتصار الذي تحقـَّق في العراق هو مُحصِّلة وحدة العراق بكلِّ مُفرَدات شعبه مُسلِمين، ومسيحيِّين، وسُنـَّة، وشيعة، وعرب، وأكراد، وتركمان، وإيزديَّة، وصابئة تمظهر العراق بوحدة صفٍّ مُنقطِعة النظير، ويُعبِّر في الوقت نفسه عن وحدة إرادة الدول.

لأوَّل مرَّة تصطفُّ دول العالم صفاً واحداً لمُواجَهة عدوٍّ مُشترَك، وهو داعش.

في هذه القاعة، وفي هذا المكان عام 2014 في الشهر التاسع جلستُ هنا، وألقيتُ الخطاب الأوَّل بعد دُخُول داعش إلى الموصل، وها نحن الآن ما بين أيلول/ديسمبر 2014 إلى الآن نكون قد قضينا طريقاً طويلاً صحيحاً عَبَرَ على محطات الدم، والتضحيات وتدمير الاقتصاد، وتدمير المُدُن، لكنَّ النتيجة ما تغيَّر منها شيء، تبقى الحقيقة حقيقة ولا تـُغيِّر من نفسها شيئاً.

انتصرت إرادة العراق، وإرادة شُعُوبكم جميعاً على العدوِّ المُشترَك ألا وهو داعش،     

إنـَّنا نسعى لتحقيق المُصالحة المُجتمَعيَّة بين السكان المدنيِّين؛ لكي يطمئنَّ المُواطِن، ويعود النازحون، والمُهجَّرون إلى بُيُوتهم، وإنَّ المرحلة المقبلة تحتاج إلى تعاون حقيقيّ، وجادٍّ؛ حتى نسدَّ الطريق على عودة الإرهاب، والتطرُّف؛ لمنع حُصُول تلك الجرائم الإرهابيَّة.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.