نص كلمة وزير الخارجيّة فؤاد حسين في الجولة الثالثة من الحوار الإستراتيجي بين بغداد وواشنطن
السيّد انتوني بلينكن وزير خارجيّة الولايات المتحدة الأمريكيّة المحترم..
السادةُ الحضور ممثلو الجانب الأمريكي والعراقي المحترمون..
السلام عليكم…
أودُّ في مُستهلِّ كلمتي أن اقدم شكري وتقديري لتلبيتكم الدعوة بعقدِ الجولةِ الثالثةِ من الحوار الاستراتيجيّ، وإنعقادِ إعمال اللجنةِ العليا المنبثقةِ عن اتفاق الإطار الاستراتيجيّ لعلاقةِ الصداقةِ والتعاونِ بين جمهوريّة العراق والولايات المتحدة الأمريكيّة.
اسمحوا لي أن أُرحّبَ بالسادةِ الحضور ممثلي اللجنة عن الجانبين الأمريكي والعراقي، وأشيدُ بالجُهُود المخلصةِ التي بذلها الفريقان، لتذليلِ العقبات وإنجاح انعقادِ هذه الجولةِ من الحوار.
السيداتُ والسادةُ الاكارم..
حينما نتحدثُ عن عمقِ العلاقةِ التي تربطُ البلدين الصديقين وعلاقةِ الشراكةِ الاستراتيجيّة، لا يسعنا الاّ أن نستذكرَ جُهُود الولايات المتحدة الأمريكية والدعم المقدمِ إلى العراقِ، بما يعززُ الأمنَ والاستقرارَ والديمقراطيةَ فيه، وإنهاء عهدِ النظام السابق الذي يصادف اليوم ذكرى تأسيس حزبه البائد، حيثُ اختار الشعبُ العراقيُ العيشَ بحريةٍ وكرامةٍ ورفضٍ للظلم.
إن اجتماعَنا اليوم يأتي تاكّيداً على علاقةِ الشراكةِ بين العراقِ والولايات المتحدةِ، ومساعي الحكومتين الجادة لتعزيزها واستكمالِ الجُهُودِ المشتركةِ التي بُذلت في الجولتين السابقتين من الحوار الاستراتيجي، اذ عُقدت الجولةُ الأولى افتراضياً بتاريخ الحادي عشر من حزيران عام 2020، فيما عُقدت الثانيةُ في العاصمةِ واشنطن في التاسع عشر من آب 2020، ونتجَ عنها توقيعَ عددٍ من مذكراتِ التفاهمِ واتفاقاتٍ على مبادئَ أساسية شملت العديد من القطاعات مثل (قطاع النفط والغاز، والكهرباء، والقطاع المالي، والصحي والبيئي، والثقافي إضافةً إلى الجوانبِ الأمنية والعسكرية).
ونتطلعُ في اجتماعنا لهذا اليوم إلى استكمالِ ما تحققَ من تقُدمٍ ملموسٍ في الجوانب المشار اليها آنفاً، والعملُ على تنفيذِ ما يتفق عليه الجانبان خلال هذه الجولةِ من الحوارِ الاستراتيجي.
السيداتُ والسادةُ الاكارم..
كما تعلمون إن الحكومةَ العراقيّةَ كرّست لمبادئ الدستور من خلال منهاجها الحكومي، وعملت على ترسيخِ حقوقِ الإنسانِ وقيمِ المواطنةِ واحترامِ التنوع الدينيِ والمذهبيِ والعرقيِ والقوميِ في العراق، وهي ماضيةٌ لإرساء دعائم الديمقراطيةِ. ومن أولويات الحكومةِ إجراءُ انتخاباتٍ مبكرةٍ استجابةً للمطالب الشعبية وتحقيقاً للإصلاح السياسي والاقتصادي، لذا شَرَّع مجلسُ النوابِ العراقي قانونَ الانتخابات الجديد وتم تحديد مُوعداً لإجرائها في العاشرِ من تشرين الأول/ أكتوبر من العام الحالي، كما تعملُ الحكومةُ العراقيةُ على ضمانِ المشاركة ِالواسعةِ لجميع مكوناتِ الشعبِ العراقي، مع الالتزامِ بتعزيزِ الرقابةِ وتوفيرِ المتطلباتِ الماليةِ واللوجستيةِ والأمنيةِ، لتحقيق اعلى معايير النزاهةِ والشفافيةِ، مع الرقابةِ الأُمميةِ في هذه العمليةِ الانتخابية، ضماناً لانتخاباتٍ ناجحة.
وفي اطار العلاقةِ بين الحكومةِ الاتحاديةِ وحكومةِ إقليم كردستان العراق، فقد شهدت العلاقةُ تطوراً باتجاه حلِّ المشاكلِ العالقةِ وصولاً إلى إقرار الموازنةِ الاتحادية.
وانسجاماُ مع نهجِ الحكومةِ بتبنّي سياسةِ التوازنِ في علاقاتها الخارجيّة والحيادِ الإيجابي والنأيِّ بالعراق في ان يكون ساحةً للصراعات والابتعاد عن سياسة المحاور، اذ يشهدُ العراقُ انفتاحاً في علاقاتهِ ضمنَ محيطه العربيّ وجواره الإسلاميّ وعلى الصعيدِ الدوليّ ايضاً، ما يؤكّدُ استعادة العراقَ لدوره بوصفهِ محطةَ التقاءٍ للشراكات الإقليميّةِ والدوليّةِ تحقيقاً للمصالح المتبادلة.
لقد جاءت زيارة (قداسة البابا فرنسس) الأخيرة إلى العراق، لتؤكّدَ أن العراقَ اليوم يُعدُ بوابةً إقليميّةً ودوليّةً لأشاعة السلامِ والمحبةِ بين شعوب المنطقةِ والعالم، بوصفهِ بلد للتعايش السلميّ بين مكوناتهِ على اختلاف انتماءاتهم الاثنيةِ والعرقيةِ والدينيةِ، ويمثلُ مناراً لبثِ المحبةِ بين شعوب المنطقة التي تنشدُ السلامَ والحرية.
السيداتُ والسادةُ الاكارم..
لا يخفى إننا واجهنا معاً العديدَ من التحديات الأمنيةِ خلال المرحلة الماضية، وأودُ أن اشيرَ إلى اشادةِ حكومة العراق بالجُهُود التي تبذلها حكومةِ الولاياتِ المتحدةِ الامريكية لتأهيلِ وتدريبِ القوات الأمنيةِ العراقيّة وتجهيزها وتقديم المشورةِ في المجال الاستخباري وصولاً إلى الجاهزيةِ المطلوبةِ في اعتمادها على قُدراتها الذاتيةِ بما يعززُ سيادةَ العراق وأمنهِ والحفاظ على مكتسباتهِ بدحرِ تنظيمِ داعش الإرهابيّ.
وفي هذه المناسبة أثمنُ عالياً التعاونَ والتنسيق المُشترك بين القوات الأمنيّة العراقيّة على اختلاف صنوفها مع قوات التحالف الدوليّ بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، التي شاركت وما تزال في دحر ” تنظيم داعش الإرهابيّ ” لاستكمالِ القضاءِ النهائيِ عليه، بوصف التنظيم الإرهابيّ خطراً ليس على العراق وسوريا فحسب، بل على المنطقةِ برمتها وانعكاس ذلك على الأمنِ والسلمِ الدوليين.
نؤكّدُ أن قواتنا الأمنية لا تزالُ بحاجةً إلى البرامج التي تُقدمها الولاياتِ المتحدة الأمريكيةِ المتعلقةِ بالتدريبِ، والتسليحِ، والتجهيز، وتطوير الخبرات، ونسعى إلى مواصلة التنسيقِ والتعاون الأمنيّ الثنائيّ. ونؤكّدُ التزام حكومةِ العراق بحمايةِ أفراد البعثات الدبلوماسيةِ ومقرّاتها ومنشآتها.
السيداتُ والسادةُ الاكارم..
لقد عملت الحكومةُ العراقيةُ ومنذُ اليوم الأول لتسلّمها مهامها في إنجاز برنامجها الإصلاحي الاقتصادي ولتحقيق ذلك اطلقت ورقتها البيضاء وسعت إلى تغييرٍ جذريٍ في سياستها الاقتصادية، وكان الهدفُ الأساسيُ لها تنويعَ موارد الاقتصاد العراقي، الذي يعتمدُ على صادرات النِفط.
إنّ هذا التغييرَ الجذريَ، قد واجه تحدياتٍ كبيرة تأتي في مقدمتها تداعياتِ جائحةِ كوفيد -19 والانخفاض الحاد في أسعار النِفط، مطلع العام الماضي، التي القت بظلالها على مختلف قطاعات الدولة ونخصُ منها قطاع الصحةِ وما يعانيهِ من نقصٍ في الموارد والتجهيزات، وقطاع الاقتصادِ والمال وهو تحدٍ يضافُ إلى جملةِ تحدياتٍ أخرى. ومن اجل تنفيذِ البرنامج الإصلاحي الاقتصادي للحكومةِ العراقيّة يتطلبُ ذلك تحفيزاً للدعم الدوليّ وتعزيزاً للخبراتِ بهذا الشأن. وفي مجال الطاقةِ أودُّ التأكّيدَ على إنّ حكومة العراق عازمةٌ على تحقيق أمنها في هذا القطاع والاعتماد الكلي على مواردها خاصّة في مجال الغاز وإيقاف هدرهِ وانبعاثاتهِ المُضّرةِ بالبيئةِ، والاعتماد على الطاقة الكهربائيةِ المُنتَجَةِ محلياً من خلال محطاتِها، وعلى مصادر الطاقةِ النظيفةِ والمتجددةِ التي تعدُ خطوةً جديدةً وواعدة في العراق، وفي هذا الصدد ندعو الولايات المتحدةِ إلى تعزيِزِ شراكِتنا من خلالِ المذكراتِ والاتفاقاتِ الموقعةِ بين البلدين، وما سيتم الاتفاقُ عليه لاحقاً، سيما في جانبِ تطويرِ حقولِ النِفط والغاز وقطاع الكهرباء وصولاً إلى تحقيقِ الغايةِ المنشودةِ وما نصبو إليه من الاكتفاءِ الذاتيّ في مجال الطاقةِ.
ونؤكّدُ على أهميّة الشراكة في مجال الاستثمار في مختلف القطاعات، وتعزيز حضور الشركاتِ الاستثماريةِ الأمريكيةِ ذات الخبرةِ والكفاءةِ لضمانِ انسيابيةِ اعمالها في الأسواق العراقيةِ الواعدة، كما ندعو إلى تعزيزِ مشاريع الشراكةِ في مختلف القطاعات المهمةِ والحيويةِ.
وفي الختام..
أؤكّدُ حرصَ العراق على التعاونِ وتعزيزِ الشراكةِ مع الولايات المتحدة الأمريكية في جميع المجالات، لاسيما الأمنيةِ منها، وكذا في مجالاتِ الطاقةِ، والصحةِ، والبيئةِ، والاقتصادِ، والثقافةِ، والتعليم، وبما يعززُ المصالح المشتركة بين البلدين الصديقين، ونأملُ في محادثاتِنا اليوم التوصّلَ إلى تفاهماتٍ واتفاقاتٍ مشتركةٍ لجميعِ قطاعات التعاونِ، ونتطلعُ إلى استمرارِ الحوار الاستراتيجيّ بين البلدين في جولاتٍ لاحقة.